لو كانت اسرائيل طرفاً لبنانياً سياسياً، لكان وضع استراتيجية دفاعية للتغلب عليها اخذ اقل من 24 ساعة. هذا ما اثبتته تجربة الاستشارت النيابية الملزمة الاخيرة التي اوصلت حسّان دياب الى مصاف رئيس الحكومة المكلّف، دون مشاكل او استفزاز لاحد. خيار دياب اتى لمواجهة طرح اسم نواف سلام والذي كان بمثابة صاروخ موجّه الى القوى المناهضة لتيار المستقبل وتوجّهات رؤساء الحكومة السابقين وبعض الاطراف الّتي رأت فيه شخصية "تكنوقراط" فيما اعتبره حزب الله خياراً استفزازياً لا يمكن القبول به.
ازاء هذا المشهد، اختلفت الاستراتيجية التي اعتمدها فريق التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي، وتم وضع "استراتيجية دفاعية" محكمة، بدأت اولاً باحتواء محاولات اشعال فتيل الفتنة السنّية-الشيعيّة من جديد، والنجاح بتحييد "الفيتو" الديني على شخصيّات من الطائفة السنّية ليُزال بذلك اول لغم جدّي امام تسمية رئيس جديد للحكومة. العقدة الثانية التي تمت ازالتها تمثلت في تعطيل تسمية نواف سلام، وهذا ما حقق نجاحاً بدليل عدم تبنّيه من قبل رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري ولا رئيسي الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وتمام سلام، وهو بحدّ ذاته دليل على ان الحالة التي يعيشها هؤلاء لن تصل الى حدّ الغضب بل ستكون مجرد امتعاض، فتسمية مرشّح آخر غير دياب من قبلهم كانت لتحرج وتؤذي أيّ شخصية أخرى سيتم تسميتها بغض النظر عن اسمها.
الخطوة الثالثة كانت ضمان عدم حصول تحرّكات في الشارع عشيّة موعد الاستشارات لتعطيلها او التشويش عليها، وهو ما تحقّق ايضاً بجهد سيّاسي وامني تولاه الجيش والقوى الامنيّة. ومع زوال كل هذه العوائق وبعد نجاح الخطوات، كان العمل على التسمية مغايراً لما سبق، وذلك مخافة احراق الاسماء كما حصل مع العديد من المرشّحين الجديين ومنهم على سبيل المثال سمير الخطيب. اختيار اسم حسان دياب اتى بتأنٍّ وبشكل مدروس، فهو من المفترض ان يرضي الحراك لسببين: الاول انّه شخصية غير سيّاسية وغير مستفزّة، والثاني انه نائب رئيس الجامعة الاميركيّة التي كان لها الثقل الكبير في التحرّكات الشعبيّة من جهة، وقريبة بطبيعة الحال من الاميركيين كونها على ارتباط ثقافي وغيره معهم.
اما مسار تأمين الاصوات له، فكان اسهل من غيره، لانّ اقناع رئيس مجلس النواب نبيه برّي به لم يحتج الى ايّ جهد كونه صديق له، وحزب الله لم يجد ايّ حرج في السير به كرئيس مكلف للحكومة، فيما التيار الوطني الحر رأى فيه الاسم القادر على اسقاط هيمنة الحريري ومؤيّديه على من سيخلف رئيس الحكومة المستقيل مع وقف التنفيذ، كونه سيعمد الى محاولة تشكيل حكومة جديدة فيما سيستمرّ الحريري في تصريف الاعمال خلال هذه الفترة.
لم تحتج هذه الاستراتيجيّة الدفاعيّة الى الكثير من الوقت، لا بل اخذت اقل من يومين لوضعها موضع التنفيذ وتحقيق النجاح التامّ لخطواتها. وعليه، باتت المسألة اكثر وضوحاً ان من حيثشكل الحكومة التي ستكون تكنو-سياسية من دون شك، او من حيث المعارضة لها التي سيقودها تيار المستقبل بطبيعة الحال انما دون ايّ استفزاز فادح لكي لا يقع المحظور، فيما ستغيب الوجوه المستفزّة لهذا الطرف او ذاك وهذا يعني بطبيعة الحال، غياب مبدئي لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لتتطبق المعادلة التي اطلقت منذ استقالة الحكومة: اما وجود الحريري او باسيل معاً او خروجهما معاً.
وبعد، تبقى العبرة في المرحلة الثانية وهي القدرة على تشكيل حكومة في وقت غير طويل، ترضيالخارج قبل الداخل كي يتم رفع الخناق الاقتصادي المفروض، واستعادة مسار الحياة الطبيعيّة الى لبنان بعد فترة يمكن وصفها بانّها الاصعب ومن الاكثر حرجاً في التاريخ المعاصر لهذا البلد.